الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: (ن) فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْحُوتُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَرَضُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبَى عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمُ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ، ثُمَّ رَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ، فَخُلِقَتْ مِنْهُ السَّمَاوَاتُ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ، فَبُسِطَتِ الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ، فَتَحَرَّكَتِ الْأَرْضُ فَمَادَتْ، فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّ الْجِبَالَ لَتَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ: وَقَرَأَ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}. حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، أَوْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَفُتِقَتْ مِنْهُ السَّمَاوَاتُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: ثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، قَالَ: اكْتُبْ، قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ: فَجَرَى بِمَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ، وَرَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ، فَفُتِقَتْ مِنْهُ السَّمَاءُ وَبُسِطَتِ الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِ النُّونِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ، فَمَادَتِ الْأَرْضُ، فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّهَا لَتَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ثُمَّ رَفَعَ بُخَارَ الْمَاءِ فَفَتَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَاضْطَرَبَ النُّونُ، فَمَادَتِ الْأَرْضُ، فَأُثْبِتَتْ بِالْجِبَالِ، فَإِنَّهَا لَتَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ". حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظِبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: النُّونُ: الْحُوتُ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خُلِقَ الْقَلَمُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيثِ وَاصِلٍ عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، وَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ خَلَقَ رَبِّي الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَكَتَبَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ فَوْقَ الْمَاءِ، ثُمَّ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: (ن) حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الرَّحْمَنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (آلر) وَ(حم) وَ {ن} حُرُوفُ الرَّحْمَنِ مُقَطَّعَةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالَ: ثَنَا عَبَّاسُ بْنُ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (آلر) وَ(حم) وَ {ن} قَالَ: اسْمٌ مُقَطَّعٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: {ن}: الدَّوَاةُ، وَالْقَلَمُ: الْقَلَمُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا أَخِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ النُّونَ وَهِيَ الدَّوَاةُ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ عَمَلٍ مَعْمُولٍ، بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ، أَوْ رِزْقٍ مَقْسُومٍ، حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، ثُمَّ أَلْزَمَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَأْنَهُ، دُخُولَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَقَامَهُ فِيهَا كَمْ، وَخُرُوجَهُ مِنْهَا كَيْفَ؛ ثُمَّ جَعَلَ عَلَى الْعِبَادِ حَفَظَةً، وَلِلْكِتَابِ خُزَّانًا، فَالْحَفَظَةُ يَنْسَخُونَ كُلُّ يَوْمٍ عَمَلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَإِذَا فَنِيَ الرِّزْقُ وَانْقَطَعَ الْأَثَرُ، وَانْقَضَى الْأَجَلُ، أَتَتِ الْحَفَظَةُ الْخَزَنَةَ يَطْلُبُونَ عَمَلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَتَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ: مَا نَجِدُ لِصَاحِبِكُمْ عِنْدَنَا شَيْئًا، فَتَرْجِعُ الْحَفَظَةُ فَيَجِدُونَهُمْ قَدْ مَاتُوا؛ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبَا تَسْمَعُونَ الْحَفَظَةَ يَقُولُونَ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِنْسَاخُ إِلَّا مِنْ أَصْلٍ؟. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {ن} قَالَ: هُوَ الدَّوَاةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُكْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: النُّونُ: الدَّوَاةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: (ن): لَوْحٌ مِنْ نُورٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُكْتِبُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْجَزَرِيُّ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " « {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} "لَوْحٌ مِنْ نُورٍ يَجْرِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة». وَقَالَ آخَرُونَ: (ن): قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} يُقْسِمُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} قَالَ: هَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ السُّورَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْقَوْلَ فِيمَا جَانَسَ ذَلِكَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا أَوَائِلُ السُّورِ، وَالْقَوْلَ فِي قَوْلِهِ نَظِيرَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ: (ن) فَأَظْهَرَ النُّونَ فِيهَا وَفِي (يس) عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةُ خَلَا الْكِسَائِيُّ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ، لِأَنَّهَا حَرْفُ هِجَاءٍ، وَالْهِجَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَإِنِ اتَّصَلَ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يُدْغِمُ النُّونَ الْآخِرَةَ مِنْهُمَا وَيُخْفِيهَا بِنَاءً عَلَى الِاتِّصَالِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ فَصِيحَتَانِ، بِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ أَصَابَ، غَيْرَ أَنَّ إِظْهَارَ النُّونِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، فَهُوَ أَعْجَبُ إِلَىَّ. وَأَمَّا الْقَلَمُ فَهُوَ الْقَلَمُ الْمَعْرُوفُ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِي أَقْسَمَ بِهِ رَبُّنَا مِنَ الْأَقْلَامِ: الْقَلَمُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، فَأَمَرَهُ فَجَرَى بِكِتَابَةِ جَمِيعِ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ ثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، قَالَ: سَأَلْتُ الْوَلِيدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: كَيْفَ كَانَتْ وَصِيَّةُ أَبِيكَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ؟ فَقَالَ: دَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، اتَّقِ اللَّهَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْعِلْمَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلَقَ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، قَالَ فَجَرَى الْقَلَمُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، وَأَمَرَهُ فَكَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ". حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَاسًا يُكَذِّبُونَ بِالْقَدْرِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، لَآخُذَنَّ بِشَعْرِ أَحَدِهِمْ، فَلَا يَقُصَّنَ بِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى عَرْشِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا، فَكَانَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّمَا يَجْرِي النَّاسُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو هَاشِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ- لَا نَدْرِي ابْنَ عُمَرَ أَوِ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ-: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهَ الْقَلَمُ، فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ؛ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ؛ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، قَالَ: ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: ثَنِي عَبَّادُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: قَالَ أَبِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: يَا بُنَيَّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ن وَالْقَلَمِ} قَالَ: الَّذِي كُتِبَ بِهِ الذِّكْرُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ن وَالْقَلَمِ} قَالَ: الَّذِي كُتِبَ بِهِ الذِّكْرُ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا يَسْطُرُونَ} يَقُولُ: وَالَّذِي يَخُطُّونَ وَيَكْتُبُونَ. وَإِذَا وُجِّهَ التَّأْوِيلُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ الْقَسَمُ بِالْخَلْقِ وَأَفْعَالِهِمْ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْكَلَامُ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَسَطْرِهِمْ مَا يَسْطُرُونَ، فَتَكُونُ "مَا" بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. وَاذَا وُجِّهَ التَّأْوِيلُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ، كَانَ الْقَسَمُ بِالْكِتَابِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: ن وَالْقَلَمِ وَالْكِتَابِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا يَسْطُرُونَ} قَالَ: وَمَا يَخُطُّونَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَمَا يَسْطُرُونَ} يَقُولُ: يَكْتُبُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَمَا يَسْطُرُونَ} قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَمَا يَسْطُرُونَ}: وَمَا يَكْتُبُونَ، يُقَالُ مِنْهُ: سَطَّرَ فُلَانٌ الْكِتَابَ، فَهُوَ يَسْطُرُ سَطْرًا: إِذَا كَتَبَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ: إِنِّي وَأَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا وَقَوْلُهُ: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، مُكَذِّبًا بِذَلِكَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ قَالُوا لَهُ: إِنَّكَ مَجْنُونٌ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ لَكَ يَا مُحَمَّدُ لَثَوَابًا مِنَ اللَّهِ عَظِيمًا عَلَى صَبْرِكَ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ إِيَّاكَ غَيْرَ مَنْقُوصٍ وَلَا مَقْطُوعٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَبْلٌ مَنِينٌ، إِذَا كَانَ ضَعِيفًا، وَقَدْ ضَعُفَتْ مَنَّتُهُ: إِذَا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} قَالَ: مَحْسُوبٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لِعُلَى أَدَبٍ عَظِيمٍ، وَذَلِكَ أَدَبُ الْقُرْآنِ الَّذِي أَدَّبَهُ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} يَقُولُ: دِينٌ عَظِيمٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} يَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ. ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ ثَنَا الْحَسَنُ. قَالَ. ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {خُلُقٍ عَظِيمٍ} قَالَ: الدِّينُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَة عنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ، تَقُولُ: كَمَا هُوَ فِي الْقُرْآن». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ. ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ذُكِرَ لَنَا «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ عَائِشَة عنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآن». حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ عَائِشَة أمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ، أَمَا تَقْرَأُ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}». أَخْبَرَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبَى الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبيرِ بْنِ نُفَيرٍ قَالَ: «حَجَجْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَة، فَسَأَلْتُهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن». حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قَالَ: أَدَبُ الْقُرْآنِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قَالَ: عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} يَعْنِي دِينَهُ، وَأَمْرَهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَوَكَلَهُ إِلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَتَرَى يَا مُحَمَّدُ، وَيَرَى مُشْرِكُو قَوْمِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَكَ مَجْنُونًا {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} يَقُولُ: تَرَى وَيَرَوْنَ. وَقَوْلُهُ: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: بِأَيِّكُمُ الْمَجْنُونُ، كَأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: {بِأَيِّكُمُ} إِلَى مَعْنَى فِي. وَإِذَا وُجِّهَتِ الْبَاءُ إِلَى مَعْنَى فِي كَانَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَيُبْصِرُونَ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونَ، فِي فَرِيقِكَ يَا مُحَمَّدُ أَوْ فَرِيقِهِمْ، وَيَكُونُ الْمَجْنُونُ اسْمًا مَرْفُوعًا بِالْبَاءِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ: بِأَيِّكُمُ الْمَجْنُونُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ، قَالَ: الْمَجْنُونُ. قَالَ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} قَالَ: بِأَيِّكُمُ الْمَجْنُونُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ تَأْوِيلُ ذَلِكَ: بِأَيِّكُمُ الْجُنُونُ؛ وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ وَجَّهُوا الْمَفْتُونَ إِلَى مَعْنَى الْفِتْنَةِ أَوِ الْمَفْتُونِ، كَمَا قِيلَ: لَيْسَ لَهُ مَعْقُولٌ وَلَا مَعْقُودٌ: أَيْ بِمَعْنَى لَيْسَ لَهُ عَقْلٌ وَلَا عَقْدُ رَأْيٍ، فَكَذَلِكَ وُضِعَ الْمَفْتُونُ مَوْضِعَ الْفُتُونِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الْمَفْتُونُ: بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَبِمَعْنَى الْجُنُونِ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} قَالَ: الشَّيْطَانُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} يَعْنِي الْجُنُونُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: بِأَيِّكُمُ الْجُنُونُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيُّكُمْ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ؛ فَالْبَاءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ زِيَادَةٌ، دُخُولُهَا وَخُرُوجُهَا سَوَاءٌ، وَمَثَّلَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ: نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أَصْحَابُ الْفَلَجْ *** نَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَنَرْجُو بِالْفَرَجْ بِمَعْنَى: نَرْجُو الْفَرَجَ، فَدُخُولُ الْبَاءِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَخُرُوجُهَا سَوَاءٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} يَقُولُ: بِأَيِّكُمْ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} قَالَ: أَيُّكُمْ أَوْلَى بِالشَّيْطَانِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ نَحْوَ اخْتِلَافِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ أَيَّكُمُ الْمَفْتُونُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ هَا هُنَا، بِمَعْنَى الْجُنُونِ، وَهُوَ فِي مَذْهَبِ الْفُتُونِ، كَمَا قَالُوا: لَيْسَ لَهُ مَعْقُولٌ وَلَا مَعْقُودٌ؛ قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتُ بِأَيِّكُمْ فِي أَيِّكُمْ، فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ الْمَجْنُونُ؛ قَالَ: وَهُوَ حِينَئِذٍ اسْمٌ لَيْسَ بِمَصْدَرٍ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: بِأَيِّكُمُ الْجُنُونُ، وَوَجَّهَ الْمَفْتُونَ إِلَى الْفُتُونِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِي الْكَلَامِ، إِذَا لَمْ يَنْوِ إِسْقَاطَ الْبَاءِ، وَجَعْلَنَا لِدُخُولِهَا وَجْهًا مَفْهُومًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، كَضَلَالِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَطَرِيقِ الْهُدَى {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} يَقُولُ: وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى، فَاتَّبَعَ الْحَقَّ، وَأَقَرَّ بِهِ، كَمَا اهْتَدَيْتَ أَنْتَ فَاتَّبَعْتَ الْحَقَّ، وَهَذَا مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ يَا مُحَمَّدُ بِكَ، وَأَنْتَ الْمُهْتَدِي، وَبِقَوْمِكَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَأَنُّهُمُ الضَّالُّونَ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَلَا تُطِعِ) يَا مُحَمَّدُ {الْمُكَذِّبِينَ} بِآيَاتِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَدَّ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَوْ تَكْفُرُ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ فَيَكْفُرُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} يَقُولُ: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قَالَ: تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قَالَ: تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَدُّوا لَوْ تُرَخِّصُ لَهُمْ فُيرخِّصُونَ، أَوْ تَلِينُ فِي دِينِكَ فَيَلِينُونَ فِي دِينِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} يَقُولُ: لَوْ تُرَخِّصُ لَهُمْ فَيُرَخِّصُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قَالَ: لَوْ تَرْكَنُ إِلَى آلِهَتِهِمْ، وَتَتْرُكُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ فَيُمَالِئُونَكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} يَقُولُ: وَدُّوا يَا مُحَمَّدُ لَوْ أَدْهَنْتَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، فَأَدْهَنُوا مَعَكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قَالَ: وَدُّوا لَوْ يُدْهَنُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيُدْهِنُونَ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَدَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّدُ لَوْ تَلِينُ لَهُمْ فِي دِينِكَ بِإِجَابَتِكَ إِيَّاهُمْ إِلَى الرُّكُونِ إِلَى آلِهَتِهِمْ، فَيَلِينُونَ لَكَ فِي عِبَادَتِكَ إِلَهَكَ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الدُّهْنِ، شَبَّهَ التَّلْيِينَ فِي الْقَوْلِ بِتَلْيِينِ الدُّهْنِ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُطِعْ كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ} وَلَا تُطِعْ يَا مُحَمَّدُ كُلَّ ذِي إِكْثَارٍ لِلْحَلِفِ بِالْبَاطِلِ؛ {مَهِينٌ}: وَهُوَ الضَّعِيفُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. غَيْرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَّهَ مَعْنَى الْمَهِينِ إِلَى الْكَذَّابِ، وَأَحْسَبُهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إِذَا وُصِفَ بِالْمَهَانَةِ فَإِنَّمَا وُصِفَ بِهَا لِمَهَانَةِ نَفْسِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ صِفَةُ الْكَذُوبِ، إِنَّمَا يَكْذِبُ لِمَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا تُطِعْ كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ} وَالْمَهِينُ: الْكَذَّابُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {حَلَّافٍ مَهِينٍ} قَالَ: ضَعِيفٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَلَا تُطِعْ كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ} وَهُوَ الْمِكْثَارُ فِي الشَّرِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ} يَقُولُ: كُلُّ مِكْثَارٍ فِي الْحَلِفِ، مَهِينٌ: ضَعِيفٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ: {وَلَا تُطِعْ كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ} قَالَ: هُوَ الْمِكْثَارُ فِي الشَّرِّ. وَقَوْلُهُ: {هَمَّازٍ} يَعْنِي: مُغْتَابٌ لِلنَّاسِ يَأْكُلُ لُحُومَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنَى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {هَمَّازٍ} يَعْنِي الِاغْتِيَابَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {هَمَّازٍ} يَأْكُلُ لُحُومَ الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {هَمَّازٍ} قَالَ: الْهَمَّازُ: الَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَيَضْرِبُهُمْ، وَلَيْسَ بِاللِّسَانِ، وَقَرَأَ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الَّذِي يَلْمِزُ النَّاسَ بِلِسَانِهِ، وَالْهَمْزُ أَصْلُهُ الْغَمْزُ، فَقِيلَ لِلْمُغْتَابِ: هَمَّازٌ، لِأَنَّهُ يَطْعَنُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ، وَذَلِكَ غَمْزٌ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} يَقُولُ: مَشَّاءٌ بِحَدِيثِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، يَنْقُلُ حَدِيثَ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {هَمَّازٍ} يَأْكُلُ لُحُومَ الْمُسْلِمِينَ {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}: يَنْقُلُ الْأَحَادِيثَ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثَنْيَ أَبِي، قَالَ ثَنْيَ عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}: يَمْشِي بِالْكَذِبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْكَلْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} قَالَ: هُوَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وَأَصْلُهُ مِنْ ثَقِيفٍ، وَعِدَادُهُ فِي بَنِي زُهْرَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}. وَقَوْلُهُ: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَخِيلٌ بِالْمَالِ ضَنِينٌ بِهِ عَنِ الْحُقُوقِ. وَقَوْلُهُ: {مُعْتَدٍ} يَقُولُ: مُعْتَدٍ عَلَى النَّاسِ {أَثِيمٍ}: ذِي إِثْمٍ بِرَبِّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {مُعْتَدٍ} فِي عَمَلِهِ {أَثِيمٍ} بِرَبِّهِ. وَقَوْلُهُ: {عُتُلٍّ} يَقُولُ: وَهُوَ عُتُلٌّ، وَالْعُتُلُّ: الْجَافِي الشَّدِيدُ فِي كَفْرِهِ، وَكُلُّ شَدِيدٍ قَوِيٍّ فَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ عُتُلًّا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيِّ: وَالدَّهْرُ يَغْدُو مِعْتَلًا جَذَعًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {عُتُلٍّ} الْعُتُلُّ: الْعَاتِلُ الشَّدِيدُ الْمُنَافِقُ. حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: ثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ وَهْبٍ الذَّمَارِيِّ، قَالَ: تَبْكِي السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مِنْ رَجُلٍ أَتَمَّ اللَّهُ خَلْقَهُ، وَأَرْحَبَ جَوْفَهُ، وَأَعْطَاهُ مُقْضِمًا مِنَ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَكُونُ ظَلُومًا لِلنَّاسِ، فَذَلِكَ الْعُتُلُّ الزَّنِيمُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: الْعُتُلُّ: الْأَكُولُ الشَّرُوبُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ، يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ فَلَا يَزِنُ شَعِيرَةً، يَدْفَعُ الْمَلَكُ مِنْ أُولَئِكَ سَبْعِينَ أَلْفًا دَفْعَةً فِي جَهَنَّمَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: الْعُتُلُّ: الشَّدِيدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: الْعُتُلُّ: الصَّحِيحُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ، مُوَلَّى مُعَاوِيَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعُتُلِّ الزَّنِيمِ، قَالَ: " الْفَاحِشُ اللَّئِيمُ ". قَالَ مُعَاوِيَةُ، وَثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: فَاحْشُ الْخُلُقِ، لَئِيمُ الضَّرِيبَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ الْفَاحِشُ اللَّئِيمُ الضَّرِيبَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ} قَالَ: هُوَ الْفَاحِشُ اللَّئِيمُ الضَّرِيبَةِ. قَالَ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبْكِي السَّمَاءُ مِنْ عَبْدٍ أَصَحَّ اللَّهُ جِسْمَهُ، وَأَرْحَبَ جَوْفَهُ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا مِقْضَمًا فَكَانَ لِلنَّاسِ ظَلُومًا، فَذَلِكَ الْعُتُلُّ الزَّنِيم». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: الْعُتُلُّ: الصَّحِيحُ الشَّدِيدُ. حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزُورِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ، عَنْ {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} فَقَالَ: ذَلِكَ الْكَافِرُ اللَّئِيمُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، يَعْنِي: ابْنَ يَمَانٍ، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: الْفَاحِشُ اللَّئِيمُ الضَّرِيبَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْعُتُلُّ، الزَّنِيمُ: الْفَاحِشُ اللَّئِيمُ الضَّرِيبَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {عُتُلٍّ} قَالَ: شَدِيدُ الْأَشَرِ.
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: {عُتُلٍّ} قَالَ: الْعُتُلُّ: الشَّدِيدُ {بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} وَمَعْنَى "بَعْدَ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَى مَعَ، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}: أَيْ مَعَ الْعُتُلِّ زَنِيمٌ. وَقَوْلُهُ: {زَنِيمٍ} وَالزَّنِيمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمُلْصَقُ بِالْقَوْمِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ: وَأَنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هَاشِمٍ *** كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِبِ الْقَدَحُ الْفَرْدُ وَقَالَ آخَرُ: زَنِيمٌ لَيْسَ يَعْرِفُ مَنْ أَبُوهُ *** بَغِيُّ الْأُمِّ ذُو حَسَبٍ لَئِيمِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنَى عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {زَنِيمٍ} قَالَ: وَالزَّنِيمُ: الدَّعِيُّ، وَيُقَالُ: الزَّنِيمُ: رَجُلٌ كَانَتْ بِهِ زَنَمَةٌ يُعْرَفُ بِهَا، وَيُقَالُ: هُوَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ. وَزَعَمَ نَاسٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ أَنَّ الزَّنِيمَ هُوَ: الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيُّ، وَلَيْسَ بِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: هُوَ الدَّعِيُّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ سَعِيدٌ: هُوَ الْمُلْصَقُ بِالْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الزَّنِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ، كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا؛ الْمُلْصَقُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الَّذِي لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّنِيمِ قَالَ: نَعْتٌ، فَلَمْ يُعْرَفْ حَتَّى قِيلَ زَنِيمٌ. قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ فِي عُنُقِهِ يُعْرَفُ بِهَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ دَعِيًّا. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا تُطِعْ كُلَ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} قَالَ: فَلَمْ نُعْرِفْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: فَعَرَفْنَاهُ لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَصْحَابِ التَّفْسِيرِ، قَالُوا: هُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ زَنَمَةٌ كَزَنَمَةِ الشَّاةِ. حَدَّثَتْ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (زَنِيمٍ): يَقُولُ: كَانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ فِي أَصْلِ أُذُنِهِ، يُقَالُ: هُوَ اللَّئِيمُ الْمُلْصَقُ فِي النَّسَبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْمُرِيبُ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرَيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: زَنِيمٌ: الْمُرِيبُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الزَّنِيمُ: الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الظَّلُومُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {زَنِيمٍ} قَالَ: ظَلُومٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِأُبْنَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّنِيمِ: الَّذِي يُعْرَفُ بِأُبْنَةَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَسَمِعْتُ النَّاسَ فِي إِمْرَةِ زِيَادٍ يَقُولُونَ: الْعُتُلُّ: الدَّعِيُّ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْجِلْفُ الْجَافِي.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَهْرَ بْنَ حَوْشبٍ يَقُولُ: هُوَ الْجِلْفُ الْجَافِي، الْأَكُولُ الشَّرُوبُ مِنَ الْحَرَامِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: الزَّنِيمُ: عَلَامَةُ الْكُفْرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: الزَّنِيمُ: عَلَامَةُ الْكَافِرِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الزَّنِيمُ يُعْرَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِاللُّؤْمِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الزَّنِيمُ: الَّذِي يُعْرَفُ بِاللُّؤْمِ، كَمَا تُعُرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْفَاجِرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، فِي قَوْلِهِ: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} قَالَ: الزَّنِيمُ: الْفَاجِرُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (أَنْ كَانَ) فَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ وَحَمْزَةُ: (أَأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ) بِالِاسْتِفْهَامِ بِهَمْزَتَيْنِ، وَتَتَوَجَّهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ تَقْرِيعُ هَذَا الْحَلَّافِ الْمَهِينِ، فَقِيلَ: أَلِأَنْ كَانَ هَذَا الْحَلَّافُ الْمَهِينُ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} وَهَذَا أَظْهَرُ وَجْهَيْهِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: أَلِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ تُطِيعُهُ، عَلَى وَجْهِ التَّوْبِيخِ لِمَنْ أَطَاعَهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْدُ سَائِرُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ} عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} كَأَنَّهُ نَهَاهُ أَنْ يُطِيعَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ذُو مَالٍ وَبَنِينَ. وَقَوْلُهُ: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} يَقُولُ: إِذَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ آيَاتِ كِتَابِنَا، قَالَ: هَذَا مِمَّا كَتَبَهُ الْأَوَّلُونَ اسْتِهْزَاءً بِهِ وَإِنْكَارًا مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: سَنَخْطِمَهُ بِالسَّيْفِ، فَنَجْعَلُ ذَلِكَ عَلَامَةً بَاقِيَةً، وَسِمَةً ثَابِتَةً فِيهِ مَا عَاشَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} فَقَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَخُطِمَ بِالسَّيْفِ فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: سَنَشِينُهُ شَيْنًا بَاقِيًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} شَيْنٌ لَا يُفَارِقُهُ آخِرَ مَا عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: سِيمَى عَلَى أَنْفِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} قَالَ: سَنَسِمُ عَلَى أَنْفِهِ. وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَنُبَيِّنُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا حَتَّى يَعْرِفُوهُ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، كَمَا لَا تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخُرْطُومِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَى ذَلِكَ: شَيْنٌ لَا يُفَارِقُهُ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ خُطِمَ بِالسَّيْفِ، فَجُمِعَ لَهُ مَعَ بَيَانِ عُيُوبِهِ لِلنَّاسِ الْخَطْمُ بِالسَّيْفِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {سَنَسِمُهُ} سَنَكْوِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَنَسِمُهُ سِمَةَ أَهْلِ النَّارِ: أَيْ سَنُسَوِّدُ وَجْهَهُ. وَقَالَ: إِنَّ الْخُرْطُومَ وَإِنْ كَانَ خُصَّ بِالسِّمَةِ، فَإِنَّهُ فِي مَذْهَبِ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَجْهِ يُؤَدِّي عَنْ بَعْضٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَسِمَنَّكَ وَسْمًا لَا يُفَارِقُكَ، يُرِيدُونَ الْأَنْفَ. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ: لَأُعَلِّطَنَّهُ وَسْمًا لَا يُفَارِقُهُ *** كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ الْمِيسَمِ النَّجِرُ وَالنَّجِرُ: دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فَتُكْوَى عَلَى أَنْفِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ}: أَيْ بَلَوْنَا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ: امْتَحَنَّاهُمْ فَاخْتَبَرْنَاهُمْ، {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} يَقُولُ: كَمَا امْتَحَنَا أَصْحَابَ الْبُسْتَانِ {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} يَقُولُ: إِذْ حَلَفُوا لِيَصْرُمُنَّ ثَمَرَهَا إِذَا أَصْبَحُوا. {وَلَا يَسْتَثْنُونَ}: وَلَا يَقُولُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} قَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنَ الْحَبَشَةِ كَانَتْ لِأَبِيهِمْ جَنَّةٌ كَانَ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا، فَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُمْ، قَالَ بَنُوهُ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ أَبُونَا لَأَحْمَقَ حِينَ يُطْعِمُ الْمَسَاكِينَ، فَأَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ، وَلَا يُطْعِمُونَ مِسْكِينًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} قَالَ: كَانَتِ الْجَنَّةُ لِشَيْخٍ، وَكَانَ يَتَصَدَّقُ، فَكَانَ بَنُوهُ يَنْهَوْنَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ يُمْسِكُ قُوتَ سَنَتِهِ، وَيُنْفِقُ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ فَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُمْ غَدَوْا عَلَيْهَا فَقَالُوا: {لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}. وَذُكِرَ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا}... الْآيَةُ، قَالَ: كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالصَّرْمُ: الْقَطْعُ، وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: {لَيَصْرِمُنَّهَا} لَيَجُدُّنَّ ثَمَرَتَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: صَرَمَتْكَ بَعْدَ مَا تَوَاصُلٍ دَعْدُ *** وَبَدَا لِدَعْدٍ بَعْضُ مَا يَبْدُو
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرِهُ: فَطَرَقَ جَنَّةَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا طَارِقٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَهُمْ نَائِمُونَ، وَلَا يَكُونُ الطَّائِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا لَيْلًا، وَلَا يَكُونُ نَهَارًا، وَقَدْ يَقُولُونَ: أَطَفْتُ بِهَا نَهَارًا. وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْجَرَّاحِ أَنْشَدَهُ: أَطَفْتُ بِهَا نَهَارًا غَيْرَ لَيْلٍ *** وَأَلْهَى رَبَّهَا طَلَبُ الرِّخَالِ وَالرِّخَالُ: هِيَ أَوْلَادُ الضَّأْنِ الْإِنَاثُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ الطُّوفَانِ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} قَالَ: هُوَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمَى، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} قَالَ: طَافَ عَلَيْهَا أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَهُمْ نَائِمُونَ. وَقَوْلُهُ: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عُنِيَ بِالصَّرِيمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ اللَّيْلُ الْأَسْوَدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَأَصْبَحَتْ جَنَّتُهُمْ مُحْتَرِقَةً سَوْدَاءَ كَسَوَادِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ الْبَهِيمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْخٌ لَنَا عَنْ شَيْخٍ مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهُ: سُلَيْمَانُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} قَالَ: الصَّرِيمُ: اللَّيْلُ. قَالَ: وَقَالَ فِي ذَلِكَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ. أَلَا بَكَرَتْ وَعَاذِلَتِي تَلُومُ *** تُهَجِّدُنِي وَمَا انْكَشَفَ الصَّرِيمُ وَقَالَ أَيْضًا: تَطَاوَلَ لَيْلُكَ الْجَوْنُ الْبَهِيمُ *** فَمَا يَنْجَابُ عَنْ صُبْحٍ صَرِيمُ إِذَا مَا قُلْتَ أَقْشَعَ أَوْ تَنَاهَى *** جَرَتْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ غُيُومُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَأَصْبَحَتْ كَأَرْضٍ تُدْعَى الصَّرِيمُ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: هِيَ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا ضَرْوَانُ مِنْ صَنْعَاءَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوَا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَنَادَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ. يَقُولُ: نَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا مُصْبِحِينَ، يَقُولُ: بَعْدَ أَنْ أَصْبَحُوا {أَنِ اغْدُوَا عَلَى حَرْثِكُمْ} وَذَلِكَ الزَّرْعُ {إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ} يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ حَاصِدِي زَرْعِكُمْ {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} يَقُولُ: فَمَضَوْا إِلَى حَرْثِهِمْ وَهُمْ يَتَسَارُّونَ بَيْنَهُمْ {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} يَقُولُ: وَهُمْ يَتَسَارُّونَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا يَدْخُلَنَّ جَنَّتَكُمُ الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوَا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} يَقُولُ: يُسِرُّونَ {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُوهُمْ غَدَوْا عَلَيْهَا، فَقَالُوا: {لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْحَرْدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: عَلَى قُدْرَةٍ فِي أَنْفُسِهِمْ وَجِدٍّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: ذَوِي قُدْرَةٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: عَلَى جِدٍّ قَادِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ. قَالَ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: عَلَى جُهْدٍ، أَوْ قَالَ عَلَى جِدٍّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} غَدَا الْقَوْمُ وَهُمْ مُحْرَدُونَ إِلَى جَنَّتِهِمْ، قَادِرُونَ عَلَيْهَا فِي أَنْفُسِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: عَلَى جِدٍّ مِنْ أَمْرِهِمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} عَلَى جِدٍّ قَادِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَغَدَوْا عَلَى أَمْرِهِمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ، وَاسْتَسَرُّوهُ، وَأَسَرُّوهُ فِي أَنْفُسِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: كَانَ حَرْثٌ لِأَبِيهِمْ، وَكَانُوا إِخْوَةً، فَقَالُوا: لَا نُطْعِمُ مِسْكِينًا مِنْهُ حَتَّى نَعْلَمَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} عَلَى أَمْرٍ قَدْ أَسَّسُوهُ بَيْنَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {عَلَى حَرْدٍ} قَالَ: عَلَى أَمْرٍ مُجْمَعٍ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: عَلَى أَمْرٍ مُجْمَعٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَغَدَوْا عَلَى فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: عَلَى فَاقَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: عَلَى حَنَقٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} قَالَ: عَلَى حَنَقٍ، وَكَأَنَّ سُفْيَانَ ذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى مِثْلِ قَوْلِ الْأَشْهَبِ بْنِ رُمَيْلَةَ: أُسُودُ شَرًى لَاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ *** تَسَاقَوْا عَلَى حَرْدٍ دِمَاءَ الْأَسَاوِدِ يَعْنِي: عَلَى غَضَبٍ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ: وَغَدَوْا عَلَى مَنْعٍ. وَيُوَجِّهُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَارَدَتِ السَّنَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَطَرٌ، وَحَارَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَإذَا مَا حَارَدَتْ أَوْ بَكَأَتْ *** فُتَّ عَنْ حَاجِبِ أُخْرَى طِينُهَا وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ قَائِلًا مِنْ مُتَقَدِّمِي الْعِلْمِ قَالَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا أَنْ يَتَعَدَّى مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، فَمَا صَحَّ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الْحَرْدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ حَرَدَ فُلَانٌ حَرْدَ فُلَانٍ: إِذَا قَصَدَ قَصْدَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ: وَجَاءَ سَيْلٌ كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهْ *** يَحْرُدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ الْمُغِلَّةْ يَعْنِي: يَقْصِدُ قَصْدَهَا، صَحَّ أَنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} وَغَدَوْا عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَصَدُوهُ وَاعْتَمَدُوهُ، وَاسْتَسَرُّوهُ بَيْنَهُمْ، قَادِرِينَ عَلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا صَارَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ إِلَى جَنَّتِهِمْ، وَرَأَوْهَا مُحْتَرِقًا حَرْثُهَا، أَنْكَرُوهَا وَشَكُّوا فِيهَا، هَلْ هِيَ جَنَّتُهُمْ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَصْحَابِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمْ قَدْ أَغْفَلُوا طَرِيقَ جَنَّتِهِمْ، وَأَنَّ الَّتِي رَأَوْا غَيْرَهَا: إِنَّا أَيُّهَا الْقَوْمُ لَضَالُّونَ طَرِيقَ جَنَّتِنَا، فَقَالَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهَا جَنَّتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُخْطِئُوا الطَّرِيقَ: بَلْ نَحْنُ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَحْرُومُونَ، حُرِمْنَا مَنْفَعَةَ جَنَّتِنَا بِذَهَابِ حَرْثِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ}: أَيْ أَضْلَلْنَا الطَّرِيقَ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ، بَلْ جُوزِينَا فَحُرِمْنَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ}. يَقُولُ قَتَادَةُ: يَقُولُونَ أَخْطَأْنَا الطَّرِيقَ، مَا هَذِهِ بِجَنَّتِنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ، حُرِمْنَا جَنَّتَنَا. وَقَوْلُهُ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} يَعْنِي: أَعْدَلُهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ؛ ثَنْي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} قَالَ: أَعْدَلُهُمْ، وَيُقَالُ: قَالَ خَيْرَهُمْ، وَقَالَ فِي الْبَقَرَةِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قَالَ: الْوَسَطُ: الْعَدْلُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} يَقُولُ: أَعْدَلُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ خَلَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}: أَعْدَلُهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} قَالَ: أَعْدَلُهُمْ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} قَالَ: أَعْدَلُهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أَيْ أَعْدَلُهُمْ قَوْلًا، وَكَانَ أَسْرَعَ الْقَوْمِ فَزَعًا، وَأَحْسَنَهُمْ رَجْعَةً {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} قَالَ: أَعْدَلُهُمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} يَقُولُ: أَعْدَلُهُمْ وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} يَقُولُ: هَلَّا تُسْتَثْنَوْنَ إِذْ قُلْتُمْ {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} فَتَقُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ {لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ الِاسْتِثْنَاءُ. قَالَ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} قَالَ: يَقُولُ: تَسْتَثْنَوْنَ، فَكَانَ التَّسْبِيحُ فِيهِمُ الِاسْتِثْنَاءَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فِي تَرْكِنَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَسَمِنَا وَعَزْمِنَا عَلَى تَرْكِ إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ مِنْ ثَمَرِ جَنَّتِنَا. وَقَوْلُهُ: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِيمَا فَرَّطُوا فِيهِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ إِطْعَامِ الْمَسَاكِينَ مِنْ جَنَّتِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} يَقُولُ: قَالَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ: يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا مُبْعَدِينَ: مُخَالِفِينَ أَمْرَ اللَّهِ فِي تَرْكِنَا الِاسْتِثْنَاءَ وَالتَّسْبِيحَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا} بِتَوْبَتِنَا مِنْ خَطَأِ فِعْلِنَا الَّذِي سَبَقَ مِنَّا خَيْرًا مِنْ جَنَّتِنَا {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} يَقُولُ: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ فِي أَنْ يُبَدِّلَنَا مِنْ جَنَّتِنَا إِذْ هَلَكَتْ خَيْرًا مِنْهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَفِعْلِنَا بِجَنَّةِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، إِذْ أَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ بِالَّذِي أَرْسَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الْبَلَاءِ وَالْآفَةِ الْمُفْسِدَةِ، فِعْلُنَا بِمَنْ خَالَفَ أَمْرَنَا وَكَفَرَ بِرُسُلِنَا فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} يَعْنِي: عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ بِمَنْ عَصَى رَبَّهُ وَكَفَرَ بِهِ، أَكْبَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} يَعْنِي بِذَلِكَ عَذَابَ الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ}: أَيْ عُقُوبَةُ الدُّنْيَا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} قَالَ: عَذَابُ الدُّنْيَا، هَلَاكُ أَمْوَالِهِمْ: أَيْ عُقُوبَةُ الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ عُقُوبَةَ اللَّهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ أَكْبَرُ مِنْ عُقُوبَتِهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، لَارْتَدَعُوا وَتَابُوا وَأَنَابُوا، وَلَكِنَّهُمْ بِذَلِكَ جُهَّالٌ لَا يَعْلَمُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} الَّذِينَ اتَّقَوْا عُقُوبَةَ اللَّهِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ {عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} يَعْنِي: بَسَاتِينُ النَّعِيمِ الدَّائِمِ. وَقَوْلُهُ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَنَجْعَلُ أَيُّهَا النَّاسُ فِي كَرَامَتِي وَنِعْمَتِي فِي الْآخِرَةِ الَّذِينَ خَضَعُوا لِي بِالطَّاعَةِ، وَذَلُّوا لِي بِالْعُبُودِيَّةِ، وَخَشَعُوا لِأَمْرِي وَنَهْيِي، كَالْمُجْرِمِينَ الَّذِي اكْتَسَبُوا الْمَآثِمَ، وَرَكِبُوا الْمَعَاصِي، وَخَالَفُوا أَمْرِي وَنَهْيِي؟ كَلًّا مَا اللَّهُ بِفَاعِلٍ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أَتَجْعَلُونَ الْمُطِيعَ لِلَّهِ مِنْ عَبِيدِهِ، وَالْعَاصِي لَهُ مِنْهُمْ فِي كَرَامَتِهِ سَوَاءً. يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا تُسَوُّوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ، بَلِ الْمُطِيعُ لَهُ الْكَرَامَةُ الدَّائِمَةُ، وَالْعَاصِي لَهُ الْهَوَانُ الْبَاقِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ: أَلَكُمُ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِتَسْوِيَتِكُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُجْرِمِينَ فِي كَرَامَةِ اللَّهِ كِتَابٌ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَتَاكُمْ بِهِ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ بِأَنَّ لَكُمْ مَا تَخَيَّرُونِ، فَأَنْتُمْ تَدْرُسُونَ فِيهِ مَا تَقُولُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} قَالَ: فِيهِ الَّذِي تَقُولُونَ تَقْرَءُونَهُ: تَدْرُسُونَهُ، وَقَرَأَ: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ}... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: إِنَّ لَكُمْ فِي ذَلِكَ الَّذِي تَخَيَّرُونَ مِنَ الْأُمُورِ لِأَنْفُسِكُمْ، وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، تَوْبِيخٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَتَقْرِيعٌ لَهُمْ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَيَتَمَنَّوْنَ مِنَ الْأَمَانِيِّ الْكَاذِبَةِ. وَقَوْلُهُ: (أَمْ لَكُمْ) فِيهِ {أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} يَقُولُ: هَلْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا تَنْتَهِي بِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بِأَنَّ لَكُمْ مَا تَحْكُمُونَ، أَيْ: بِأَنَّ لَكُمْ حُكْمَكُمْ، وَلَكِنَّ الْأَلِفَ كُسِرَتْ مِنْ "إِنَّ" لَمَّا دَخَلَ فِي الْخَبَرِ اللَّامُ: أَيْ: هَلْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بِأَنَّ لَكُمْ حُكْمَكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَيَهُمُّ بِأَنَّ لَهُمْ عَلَيْنَا أَيْمَانًا بَالِغَةً بِحُكْمِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (زَعِيمٌ) يَعْنِي: كَفِيلٌ بِهِ، وَالزَّعِيمُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الضَّامِنُ وَالْمُتَكَلِّمُ عَنِ الْقَوْمِ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} يَقُولُ: أَيُّهُمُّ بِذَلِكَ كَفِيلٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} يَقُولُ: أَيُّهُمُّ بِذَلِكَ كَفِيلٌ. وَقَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ شُرَكَاءٌ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَصِفُونَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَهُمْ، فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانُوا فِيمَا يَدَّعُونَ مِنَ الشُّرَكَاءِ صَادِقِينَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: يَبْدُو عَنْ أَمْرٍ شَدِيدٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: هُوَ يَوْمُ حَرْبٍ وَشِدَّةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ *** حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} وَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا سَجَدَ، وَيَقْسُو ظَهْرُ الْكَافِرِ فَيَكُونُ عَظْمًا وَاحِدًا. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: يُكْشَفُ عَنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ، أَلَا تَسْمَعُ الْعَرَبَ تَقُولُ: وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} يَقُولُ: حِينَ يُكْشَفُ الْأَمْرُ، وَتَبْدُو الْأَعْمَالُ، وَكَشْفُهُ: دُخُولُ الْآخِرَةِ وَكَشْفُ الْأَمْرِ عَنْهُ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} هُوَ الْأَمْرُ الشَّدِيدُ الْمُفْظِعُ مِنَ الْهَوْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ وَابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَا ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: شِدَّةُ الْأَمْرِ وَجَدُّهُ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَشَدُّ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: شِدَّةُ الْأَمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَوَّلُ سَاعَةٍ تَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. غَيْرَ أَنْ فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَشَدُّ سَاعَةٍ تَكُونُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: عَنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: عَنْ أَمْرٍ فَظِيعٍ جَلِيلٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ. حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: شَمَّرَتِ الْحَرْبُ عَنْ سَاقٍ، يَعْنِي: إِقْبَالُ الْآخِرَةِ وَذَهَابُ الدُّنْيَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الزَّهْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: "يَتَمَثَّلُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَمُرَّ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعْبُدُ اللَّهَ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَيَنْتَهِرُهُمْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَهُ إِذَا اعْتَرَفَ إِلَيْنَا عَرَفْنَاهُ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ إِلَّا خَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا، وَيَبْقَى الْمُنَافِقُونَ ظُهُورُهُمْ طَبَقٌ وَاحِدٌ، كَأَنَّمَا فِيهَا السَّفَافِيدُ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، فَيَقُولُ: قَدْ كُنْتُمْ تُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ، ثُمَّ صَوَرَّكُمْ، ثُمَّ رَزَقَكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مَا تَوَلَّى، فَيَقُولُونَ: بَلَى، قَالَ: فَيُمَثِّلُ لِكُلِّ قَوْمٍ آلِهَتَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَيَتْبَعُونَهَا حَتَّى تُورِدَهُمُ النَّارَ، وَيَبْقَى أَهْلُ الدَّعْوَةِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟ ذَهَبَ النَّاسُ، فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِرُ أَنْ يُنَادَى بِنَا، فَيَجِيءُ إِلَيْهِمْ فِي صُورَةٍ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَيَكْشِفُ عَمَّا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْشِفَ، قَالَ: فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا إِلَّا الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَقَارُ أَصْلَابِهِمْ عَظْمًا وَاحِدًا مِثْلَ صَيَاصِيِّ الْبَقَرِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى نُورِكُمْ" ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا طُولٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، قَالَ: حَدَّثَ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ: يَقُومُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَرْبَعِينَ عَامًا، شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، حُفَاةٌ عُرَاةٌ، يُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ، وَلَا يُكَلِّمُهُمْ بَشَرٌ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، ثُمَّ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ، أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ قَوْمٍ مَا تَوَلَّوْا؟ قَالُوا: نَعَمْ؟ قَالَ: فَيُرْفَعُ لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ قَالَ: وَيُمَثَّلُ لِكُلِّ قَوْمٍ، يَعْنِي آلِهَتَهُمْ، فَيَتْبَعُونَهَا حَتَّى تَقْذِفَهُمْ فِي النَّارِ، فَيَبْقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيُقَالُ: أَلَا تَذْهَبُونَ فَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، قَالَ: وَتَعْرِفُونَهُ؟ فَقَالُوا: إِنِ اعْتَرَفَ لَنَا، قَالَ: فَيَتَجَلَّى، فَيَخِرُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُهُ سَاجِدًا، قَالَ: وَيَبْقَى الْمُنَافِقُونَ لَا يَسْتَطِيعُونَ، كَأَنَّ فِي ظُهُورِهِمُ السَّفَافِيدَ. قَالَ: فَيُذْهَبُ بِهِمْ فَيُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ، فَيُقْذَفُ بِهِمْ، وَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ، قَالَ: فَيُسْتَقْبَلُونَ فِي الْجَنَّةِ بِمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْحُورِ الْعِينِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ كَذَا وَكَذَا، بَيْنَ كُلِّ جَنَّةٍ كَذَا وَكَذَا، بَيْنَ أَدْنَاهَا وَأَقْصَاهَا أَلْفُ سَنَةٍ، هُوَ يَرَى أَقْصَاهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا؛ قَالَ: وَيَسْتَقْبِلُهُ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ مُقْبِلًا حَسِبَ أَنَّهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدُكَ وَقَهْرَمَانُكَ عَلَى أَلْفِ قَرْيَةٍ، قَالَ: يَقُولُ عُمَرُ: يَا كَعْبُ أَلَا تَسْمَعَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ؟. حَدَّثَنَا ابْنُ جَبَلَةَ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَيْسِ بْنِ سَكَنٍ، قَالَا: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ عُمَرَ، قَالَ: وَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ: وَيَحَكَ يَا كَعْبُ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ؟ "إِذَا حُشِرَ النَّاسُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، شَاخِصَةٌ أَبْصَارُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، لَا يُكَلِّمُهُمْ بَشَرٌ، وَالشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ، كُلُّ بَرٍّ مِنْهُمْ وَفَاجِرٍ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَيْسَ عَدْلًا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ غَيْرَهُ، أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا تَوَلَّى؟ فَيَقُولُونَ: بَلَى؛ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَلْتَنْطَلِقْ كُلُّ أُمَّةٍ إِلَى مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالَ: وَيُبْسَطُ لَهُمُ السَّرَابُ، قَالَ: فَيُمَثَّلُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَلِجُوا النَّارَ، فَيُقَالُ لِلْمُسْلِمِينَ: مَا يَحْبِسُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: إِنِ اعْتَرَفَ لَنَا عَرَفْنَاهُ. قَالَ وَثَنِي أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "... «حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَلْتَفُّ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَيَقَعُونَ سُجُودًا، قَالَ: وَتُدْمَجُ أَصْلَابُ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى تَكُونَ عَظْمًا وَاحِدًا، كَأَنَّهَا صَيَاصِيِّ الْبَقَرِ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُمُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ إِلَى نُورِكُمْ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ؛ قَالَ: فَتَرْفَعُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ رُءُوسَهُمْ إِلَى مِثْلِ الْجِبَالِ مِنَ النُّورِ، فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، ثُمَّ تَرْفَعُ أُخْرَى رُءُوسَهُمْ إِلَى أَمْثَالِ الْقُصُورِ، فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ يَرْفَعُ آخَرُونَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أَمْثَالَ الْبُيُوتِ، فَيَمُرُّونَ كَمَرِّ الْخَيْلِ؛ ثُمَّ يَرْفَعُ آخَرُونَ إِلَى نُورٍ دُونَ ذَلِكَ، فَيَشُدُّونَ شَدًّا؛ وَآخَرُونَ دُونَ ذَلِكَ يَمْشُونَ مَشْيًا، حَتَّى يَبْقَى آخِرُ النَّاسِ رَجُلٌ عَلَى أُنْمُلَةِ رِجْلِهِ مِثْلُ السِّرَاجِ، فَيَخِرُّ مَرَّةً، وَيَسْتَقِيمُ أُخْرَى، وَتُصِيبُهُ النَّارُ فَتَشَعَّثُ مِنْهُ حَتَّى يَخْرُجَ، فَيَقُولُ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مَا أُعْطِيتُ، وَلَا يَدْرِي مِمَّا نَجَا، غَيْرَ أَنِّي وَجَدْتُ مَسَّهَا، وَإِنِّي وَجَدْتُ حَرَّهَا" وَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ طُولٌ اخْتَصَرْتُ هَذَا مِنْه». حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَلَا لِتَلْحَقْ كُلُّ أُمَّةٍ بِمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا وَلَا وَثَنًا وَلَا صُورَةَ إِلَّا ذَهَبُوا حَتَّى يَتَسَاقَطُوا فِي النَّارِ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ تُعْرَضُ جَهَنَّمُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، ثُمَّ تُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ، فَيَقُولُ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، ظَمِئْنَا، فَيَقُولُ: أَفَلَا تَرِدُونَ، فَيَذْهَبُونَ حَتَّى يَتَسَاقَطُوا فِي النَّارِ، ثُمَّ تُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ: مَاذَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيَقُولُ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا ظَمِئْنَا، اسْقِنَا، فَيَقُولُ: أَفَلَا تَرِدُونَ، فَيَذْهَبُونَ فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، فَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ قَالَ: ثُمَّ يَتَبَدَّى اللَّهُ لَنَا فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ لَحِقَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، وَبَقِيتُمْ أَنْتُمْ، فَلَا يُكَلِّمُهُ يَوْمئِذٍ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا، وَنَحْنُ كُنَّا إِلَى صُحْبَتِهِمْ فِيهَا أَحْوَجَ، لَحِقَتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ، فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا أَجْمَعُونَ، وَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ سَجَدَ فِي الدُّنْيَا سُمْعَةً وَلَا رِيَاءً وَلَا نِفَاقًا، إِلَّا صَارَ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ؛ قَالَ: ثُمَّ يَرْجِعُ يَرْفَعُ بَرُّنَا وَمُسِيئُنَا، وَقَدْ عَادَ لَنَا فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَيْنَاهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ أَنْتَ رَبُّنَا، ثَلَاثَ مَرَّات». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنِي أَبِي وَسَعِيدُ بْنُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، قَالَ: ثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادِيهِ فَيَقُولُ: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ" ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ" فَإِنَّا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ قَالَهُ، فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّار» "، ثُمَّ حَدَّثَنَا الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيثِ الْمَسْرُوقِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ رَافِعٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْخُذُ اللَّهُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ لِأَحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ جَعَلَ اللَّهُ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عُزَيْرٍ، فَتَتْبَعُهُ الْيَهُودُ، وَجَعَلَ اللَّهُ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عِيسَى فَتَتْبَعُهُ النَّصَارَى، ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ أَسْمَعَ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ، فَقَالَ: أَلَا لِيَلْحَقْ كُلُ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا مُثِّلَ لَهُ آلِهَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَادَتْهُمْ إِلَى النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، الْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَالَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ إِلَهًا غَيْرَهُ، وَهُوَ اللَّهُ ثَبَّتَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُمُ الثَّانِيَةَ مِثْلَ ذَلِكَ: الْحَقُوا بِآلِهَتِكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ مِنْ آيَةٍ تَعْرِفُونَهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ مَا يَعْرِفُونَهُ أَنَّهُ رَبُّهُمْ، فَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَيَقَعُ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ أَصْلَابَهُمْ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَر». وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ، عَنْ مَوْلًى لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: "عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ، يَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا». حَدَّثَنِي جَعْفَرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزُورِيُّ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: يُكْشَفُ عَنِ الْغِطَاءِ، قَالَ: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قَالَ: هُوَ يَوْمُ كَرْبٍ وَشِدَّةٍ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (يَوْمَ تَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ) بِمَعْنَى: يَوْمَ تَكْشِفُ الْقِيَامَةُ عَنْ شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كَشَفَ هَذَا الْأَمْرُ عَنْ سَاقٍ: إِذَا صَارَ إِلَى شِدَّةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: كَشَفَتْ لَهُمْ عَنْ سَاقِهَا *** وَبَدَا مِنَ الشَّرِّ الصَّرَاحُ وَقَوْلُهُ: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} يَقُولُ: وَيَدْعُوهُمُ الْكَشْفُ عَنِ السَّاقِ إِلَى السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يَقُولُ: تَغْشَاهُمْ ذِلَّةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} يَقُولُ: وَقَدْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَدْعُونَهُمْ إِلَى السُّجُودِ لَهُ، وَهُمْ سَالِمُونَ، لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حَائِلٌ. وَقَدْ قِيلَ: السُّجُودُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} قَالَ: إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} قَالَ: يَسْمَعُ الْمُنَادِي إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فَلَا يُجِيبُهُ. قَالَ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} قَالَ: الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}... الْآيَةُ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} قَالَ: هُمُ الْكُفَّارُ، كَانُوا يَدْعَوْنَ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ آمِنُونَ، فَالْيَوْمَ يَدْعُوهُمْ وَهُمْ خَائِفُونَ، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَالَ: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} ذَلِكُمْ وَاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «يُؤْذَنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي السُّجُودِ، فَيَسْجُدُ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَيْنَ كُلٍ مُؤْمَنْينِ مُنَافِقٌ، فَيَقْسُو ظَهْرُ الْمُنَافِقِ عَنِ السُّجُودِ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ سُجُودَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ تَوْبِيخًا وَذُلًّا وَصَغَارًا، وَنَدَامَةً وَحَسْرَة». وَقَوْلُهُ: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} أَيْ فِي الدُّنْيَا {وَهُمْ سَالِمُونَ} أَيْ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُؤْذَنُ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي السُّجُودِ، بَيْنَ كُلِّ مُؤْمِنَيْنَ مُنَافِقٌ، يَسْجُدُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُنَافِقُ أَنْ يَسْجُدَ؛ وَأَحْسَبُهُ قَالَ: تَقْسُو ظُهُورُهُمْ، وَيَكُونُ سُجُودُ الْمُؤْمِنِينَ تَوْبِيخًا عَلَيْهِمْ، قَالَ: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كِلْ يَا مُحَمَّدُ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ إِلَيَّ، وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ غَيْرِهِ يَتَوَعَّدُ رَجُلًا: دَعْنِي وَإِيَّاهُ، وَخَلِّنِي وَإِيَّاهُ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ مِنْ وَرَاءِ مَسَاءَتِهِ. و"مَنْ" فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْتُ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: لَوْ تُرِكْتَ وَرَأْيَكَ مَا أَفْلَحْتَ. وَالْعَرَبُ تَنْصِبُ: وَرَأْيَكَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَوْ وَكَلْتُكَ إِلَى رَأْيِكَ لَمْ تُفْلِحْ. وَقَوْلُهُ: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: سَنَكِيدُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُمَتِّعَهُمْ بِمَتَاعِ الدُّنْيَا حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ مُتِّعُوا بِهِ بِخَيْرٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَيَتَمَادَوْا فِي طُغْيَانِهِمْ، ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. وَقَوْلُهُ: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأُنْسِأُ فِي آجَالِهِمْ مِلَاوَةً مِنَ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّهِ لِتَتَكَامَلَ حُجَجُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} يَقُولُ: إِنَّ كَيْدِي بِأَهْلِ الْكُفْرِ قَوِيٌّ شَدِيدٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَسْأَلُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّصِيحَةِ، وَدَعْوَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، ثَوَابًا وَجَزَاءً {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} يَعْنِي: مِنْ غُرْمِ ذَلِكَ الْأَجْرِ مُثْقَلُونَ، قَدْ أَثْقَلَهُمُ الْقِيَامُ بِأَدَائِهِ، فَتَحَامَوْا لِذَلِكَ قَبُولَ نَصِيحَتِكَ، وَتَجَنَّبُوا لِعَظَمِ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ ثِقَلِ الْغُرْمِ الَّذِي سَأَلْتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الدُّخُولَ فِي الَّذِي دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الدِّينِ. وَقَوْلُهُ: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} يَقُولُ: أَعْنَدَهُمُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِيهِ نَبَأُ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَهُمْ يَكْتُبُونَ مِنْهُ مَا فِيهِ، وَيُجَادِلُونَكَ بِهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ أَفْضَلُ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَضَاءِ رَبِّكَ وَحُكْمِهِ فِيكَ، وَفِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ، وَهَذَا الدِّينِ، وَامْضِ لِمَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ، وَلَا يَثْنِيكَ عَنْ تَبْلِيغِ مَا أُمِرْتَ بِتَبْلِيغِهِ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ، وَأَذَاهُمْ لَكَ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} الَّذِي حَبَسَهُ فِي بَطْنِهِ، وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُعَاقِبَكَ رَبُّكَ عَلَى تَرْكِكَ تَبْلِيغَ ذَلِكَ، كَمَا عَاقَبَهُ فَحَبَسَهُ فِي بَطْنِهِ: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} يَقُولُ: إِذْ نَادَى وَهُوَ مَغْمُومٌ، قَدْ أَثْقَلَهُ الْغَمُّ وَكَظَمَهُ. كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} يَقُولُ: مَغْمُومٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {مَكْظُومٌ} قَالَ: مَغْمُومٌ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}: لَا تَكُنْ مِثْلَهُ فِي الْعَجَلَةِ وَالْغَضَبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} يَقُولُ: لَا تَعْجَلْ كَمَا عَجِلَ، وَلَا تَغْضَبْ كَمَا غَضِبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَ صَاحِبَ الْحُوتِ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ، فَرَحِمَهُ بِهَا، وَتَابَ عَلَيْهِ مِنْ مُغَاضَبَتِهِ رَبَّهُ {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} وَهُوَ الْفَضَاءُ مِنَ الْأَرْضِ: وَمِنْهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ جَعْدَةَ: وَرَفَعْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا *** وَنَبَذْتُ بِالْبَلَدِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي {وَهُوَ مَذْمُومٌ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ وَهُوَ مُلِيمٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنِي أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يَقُولُ: وَهُوَ مُلِيمٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَهُوَ مُذْنِبٌ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ {وَهُوَ مَذْمُومٌ} قَالَ: هُوَ مُذْنِبٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاجْتَبَى صَاحِبَ الْحُوتِ رَبُّهُ، يَعْنِي: اصْطَفَاهُ وَاخْتَارَهُ لِنُبُوَّتِهِ {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} يَعْنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ الْعَامِلِينَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ، الْمُنْتَهِينَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَإِنَّ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا مُحَمَّدُ يَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ شِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ لَكَ، وَيُزِيلُونَكَ فَيَرْمُوا بِكَ عِنْدَ نَظَرِهِمْ إِلَيْكَ غَيْظًا عَلَيْكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عُنِيَ بِذَلِكَ: وَإِنَّ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِمَّا عَانُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَيَرْمُونَ بِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَيَصْرَعُونَكَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: كَادَ فُلَانٌ يَصْرَعُنِي بِشِدَّةِ نَظَرِهِ إِلَيَّ، قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ عَانُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصِيبُوهُ بِالْعَيْنِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ لِيُعِينُوهُ، وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِثْلَهُ، أَوْ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ عِنْدَ ذَلِكَ: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَرْمُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى {لَيُزْلِقُونَكَ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} يَقُولُ: يَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ شِدَّةِ النَّظَرِ، يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُقَالُ لِلسَّهْمِ: زَهَقَ السَّهْمُ أَوْ زَلِقَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} (يَقُولُ: لَيَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} يَقُولُ: لَيُزْهِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْهِقُونَكَ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَيُزْلِقُونَكَ} قَالَ: لَيَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} قَالَ: لَيُزْهِقُونَكَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَيَصْرَعُونَكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} لَيَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ مُعَادَاةً لِكِتَابِ اللَّهِ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} يَقُولُ: يَنْفُذُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {لَيُزْلِقُونَكَ} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ (لَيَزْلِقُونَكَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ، مِنْ زَلَقَتُهُ أَزْلَقُهُ زَلْفًا. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ {لَيُزْلِقُونَكَ} بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَزْلَقَهُ يُزْلِقُهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلَّذِي يَحْلِقُ الرَّأْسَ: قَدْ أَزْلَقَهُ وَزَلَقَهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} يَقُولُ: لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ يُتْلَى {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمَجْنُونٌ، وَهَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مِنَ الْهَذَيَانِ الَّذِي يَهْذِي بِهِ فِي جُنُونِهِ {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا ذِكْرٌ ذَكَّرَ اللَّهُ بِهِ الْعَالَمِينِ الثِّقْلَيْنِ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ ن وَالْقَلَمِ.
|